20081123

الكوريدا أو أسماء أخرى للموت واسمٌ للحياة (كاملة)

الكوريدا أو أسماء أخرى للموت واسمٌ للحياة ( 1992 ـ 1995م )، ملحمة ثور ظلّ واقفا في الحلبة دون الموت. وهي قصيدة طويلة نشرت في كتاب واحد مع مجموعة " في رحاب الليل المزمن تليه الكوريدا" الصادرة بتونس سنة 2004 م.
وتشتمل على مداخل وفصول وعناوين على النحو التالي:
قبل ضربة البداية : [ حضور ]
ضربة البداية: اسم آخر للثور
الفصل الأول : اسم آخر لفيرونيكا
الفصل الثاني : اسم آخر للسّهام
الفصل الثالث : اسم آخر لساعة الحق
المدارج الحلبة
المخطط السرّي

§§§§
قبل ضربة البداية

[ لِطَعْمِ الدَّمِ عِنْدَ مَصَّاصِ الدِّمَاءِ سِحْرٌ وَلِلتَّارِيخِ ولِلقَهْـر.
مَـنْ حَضَرَ مِنْكُمْ حَفْلَ هَـذَا اليَوْم؟ مَنْ حَضَرَ حَفْلَ هَـذَا العَصْر، من يَرْغَب في الحُضُور يَتَـدَرَّعْ بِالأَزِقَّـةِ وَالجِبَالِ وَأمْوَاجِ البَحْرِ وَيَتْبَعْـنِي... بَيْنَ قُطْعَـانِ النَّبَاتَاتِ الطُّفَيلِيَّةِ وَالحَشَرَاتِ الليليّةِ وَأَسْرَابِ الأَجْرَامِ الكَونِيَّة، أَقْمَارٌ وَكَوَاكِبُ وَنُجُوم، بَعْضُهَا لاَ عَهْدَ لَنَا بِهِ، وَبَعْضُهَا لَمْ يَصِلْنَا ضَوْؤُهُ بَعْد، وَبَعْضُهَا قَدْ يَكُـونُ انْقَرَضَ مُنْذُ آلاَفِ السِّنِــينِ الضَّوئِيَّة.
مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ هَـذَا الحَفْلَ ؟ مَنْ حَضَرَ حَفْلَ هَـذَا العَصْر! مَنْ يَرَغَبُ فِي الحُضُورِ؟ الطَّرِيقُ بَيْنَ يَدَيْهِ شِبْرٌ أَوْ أَقَلُّ مِنْ شِبْر.
هَـاهِيَ مَوَانِئُ الفَوَاكِهِ المُصَنَّعَةِ وَالمُكَسَّرَاتِ وَالبُقُولِ وَالغِلاَلِ وَاللُّحُـومِ وَالأَجْبَـانِ وَالحُبُوبِ وَالمُعَلَّبَات.. اتْبَعُوهَا. هَاهِـيَ بَيَـادِرُ التُّحَفِ وَالأَجْهِـزَةِ الكَهْـرَبَائِيَّةِ وَالطَّـائِرَاتِ الطَّائِرَاتِ وَالأَقْمَارِ وَهُمُـومٍ أُخْرَى؛ إِبَرٌ، شَفَرَاتُ حِلاَقَة، مُسْتَحْضَرَاتُ تَنْظِيفٍ وَتَجْمِيل وَأَدْوِيَةٍ.. جَاءَتْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، تَتَسلَّى بِهَـذِهِ الرِّيَاضَةِ البَغِيضَةِ، اللُّعْبَةِ القَدِيمَةِ الجَدِيدَة، فِي حلَبَةِ الكُورِيدَا.
فلِطَعْمِ الـدَّمِ عِنْدَ مَصَّاصِ الدِّمَـاءِ سِحْرٌ، أَيُّ سِحْر.
والْحَفْلُ كَـبِيرٌ حَقًّا.
هَاهُمو فِي المَوْعِدِ، يَتَزَاحَمُون، يَتَبادلون السُّفَرَاءَ فِي الخَفَاءِ، وَالنَّوَافِـذُ المَنَافِـذُ الخَرْقَاءُ َتَتَنَاسَلُ فِي فَوْضَى عَجِيبَةٍ، كَأَنَّهَا لاَ تَكْفِي.
هاهم يَقْفِزُونَ كَالوَبَاءِ عَلَى جُدْرَانِ هَذَا المَلْعَبِ المُنْهَكَةِ الوَاطِئَةِ الوَطِيئَة.
هَا هِـيَ تَنْهَارُ و تَنْهَارُ الأَبَوَابُ وَالنَّوَافِذُ. لَمْ يَبْقَ غَيْرُ المَدَارِجِ وَالمُتَفَرِّجِين.
هَـكَذَا أَفْضل!
مَا خَلَقَ اللهُ وَمَا اسْتَحْدَثَهُ الإِنْسَانُ جَاءُوا يَرْفَعُونَ أَعْلاَمَهُمْ. بَعْضُهُمْ يَجْرِي المُصَارِعُونَ المَهَرَةُ فِي نسْغِِهِ، وَبَعْضُهُمْ جَاءَ حَالِمًا فَقَطْ، وَبَعْضُهُمْ جَاءَ شَاهِـدًا فَقَطْ.. بَعْضُهمْ يَدَفَعُ بَعْضَهُمْ وَبَعْضُهُمْ يَغْبِطُ بَعْضَهُمْ عَلَى مَكَانِهِ، يَغْتَصِبُ مَكَانَهُ.. وَبَعْضُهُمْ أَنَا، وَبَعْضُهُم أَنْتَ، وَبَعْضُهُم وَبَعْضُهُمْ.. أَنَا وَأَنْتَ.
أَيُّ حَفْلٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الحَفْـل!
وَأَيُّ وَحَـلٍ وَأَيُّ قَهْر!
إِنَّـهُ لَمَشْهَـدٌ رَهِيب ]


§§§§
ضربة البداية : اسـمٌ آخَـرُ لِلثَّـور

1

هَلْ تَسْمَعُ هَذَا الصَّخَبَ العَاتِي
الآتِي مِنْ زَمَانٍ إِلَــيْـك ؟
أَلَمْ تَهْتَزَّ الأَرْضُ إِلَى الآنَ تَحْتَ قَدَمَيْك!؟
أَيُّهَا النَّائِمُ فِي هَذَا اليَوْمِ المُشْرِقِ
مَاذَا يُخَبِّئُ هَذَا اليَوْمُ الضَّاحِكُ مِنْكَ عَلَيك!؟


2

كَانَ لاَ بُدَّ أَنْ يَسْـتَعِدَّ جَمِيعُ الأَفِيتْشِيُونَادُو* لِهَذَا الْحَفْلِ وَكُلُّ مُصَارِعْ
كَانَ لاَ بُدَّ أَنْ يَتَهَيَّأَ مُنْذُ قُرُونٍ كُلُّ غَنِيٍّ لِهَذَا الحَفْلِ وَكُلُّ فَقِيرٍ وَكُلُّ نَبِيلٍ وَكُلُّ وَضِيعٍ،
لاَ الحَفْلُ سَهلٌ وَلاَ أنْ تَحْضَرَهُ سَهْـل.
نِصْفُ الجُمْهُورِ جَوَاسِيسُ..
وَالنِّصفُ الآخَرُ يَمتَدُّ مَدَارِسَ يَمتَدُّ مَخَابِرَ يَمتَدُّ ضِيَاعًا وَقلاعًا وَنَوَامِيسَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَحَبَائِلَ أَشْكَالاً وَخَرَائِطَ أَهْوَالٍ وَمُعِدَّاتٍ وَكَتَائِبَ رُعْبٍ وَجُسُورًا بَحْرِيَّة وَجُسُورًا
جَويَّة وَخُيُولاً مِنْ مَعْدَنٍ وَسُيُوفًا مِنْ نِارٍ وَأَسْرَارٍ، أَقْنِعَةً مُقَنَّعَة، أَشْرِعَةً مُشَرَّعَة، لُعَبًا أَلْغَامًا وَدُخَانًا وَدِمَــاءً أَلْــوَان..
أَهِــيَ الحَرْبُ! أَمْ دَمْدَمَةُ البُرْكَانِ
أَوِالطُّوفَانْ!


3

صُورَتُهُ فِي كُلِّ زَاويَةٍ، وعَلَى كُلِّ جِدَار
صُورَتُهُ عَلَمٌ أَعْـلَى مِنْ كُلِّ الأَعْـلاَم،
صورتُه سَيْفٌ بَتَّار
مَاذَا إِذَا تَبَـاهَى
أوِ انْتشَـى وَتَاهَ بَيْنَ هَذِهِ الخِـرفَان
وَهَذِهِ الثِّـيرَان

اسـم آخـر للحـضــور

[ جِئْتُ مَعَ رِفَاقٍ مُلَغَّمِينَ بِاليَأْسِ المُقَدَّسِ، رِفَاقٍ مَغَاوِيرَ سَيُخْبِرُكُمْ بَلاَغُ النَّقْعِ بِسيمَائِهم حَتّى تَتمنّوا لَوْ رَكِبَتْكُمْ جِرَاحُهُمْ أَفْرَاحُهُمْ، وتُدْرِكُكُمْ ذَاتَ يَوْمٍ رِيَاحُهُمْ। لَمْ يَضَعْ أَحَـدٌ عَلَى أَصْوَاتِهِمْ خَتْـمَهُ، ولاَ ربَّتَ عَـلَى أَكْـتَافِهِمْ، وَلاَ فَوَّضَهُمْ شِبْهُ سُلْطَانٍ وَلا شِبْهُ أَمِير. جِئْنَا أَحْـلاَمُنَا أَخْـتَامُنَا، آلاَمُنَا أَعْلاَمُنَا، آمَـالُنَا أَلْـغَامُنَا، تَارِيخُنَا المَجَادِيفُ، والظلُماتُ قِلاعُنَا وَالبِحَـارُ شراعُنا. جِئْنا نُعلِنُ أسماءَ الموتِ المخفِيَّة ].

4

مَازَالَ الجُمْهورُ مُنْتَظِـرًا فِي وَهَـجِ الشَّمْس
الثَّوْرُ وَرَاءَ البَوَّابَةِ فِي العَـتَمَة
تَصِلُ الأَصْـوَاتُ لَهُ مُتَشَابِهَةً؛ ضَحِكُ الخِرْفَـانِ وَأَصْدَاءُ الطَّائِرَاتِ النَفَّاثَاتِ بَعِيدًا فِي السُّحُبِ العُلْيَا وَثُغَاءُ الأَطْفَــالِ... تَصِلُ الأَصْوَاتُ لَهُ مِنْ تَحْت الجِلْدِ.. مِنَ الأَحشَاء..
مَازَالَ وَرَاءَ البَابِ الخَشَبِيِّ يُعَانِي مِنْ قَلبٍ خَشَبَه
وبَقيّةِ رُوحٍ أَمسَتْ تَتَسَطّحُ حتَّى صَارَت أَقْصَرَ
من عَتَبَه
مَازَالَ وَرَاءَ البَابِ بِرغْمِ الظُّلمَةِ، رغْمَ الأَحْلاَمِ المُفْرَغَةِ التَّعِبَه
يَحلُمُ كالعَادَةِ بالخَيلِ.. يَحْـلُمُ بِِالحلَبَه
يَحلُمُ بِالمَاءِ بَيْنَ المَراعي الخُضْر
يَحْسَبُ أَنَّ الللَيْلَ الوَاقِفَ خَلْفَ البَوَّابَةِ فجْر ؟
السَّاعَةُ حَانَتْ وَالسُّبلُ انْكَشَفَتْ
والمَعْرَكَةُ الكُبْرَى بَدَأَتْ
لاَ يَـدْرِي أنَّ بَقَـايَا دَمِهِ تَقْطُرُ بَعْدُ عَلى اللَّـوْحِ
المَحَفُوظ
لكِنَّ المَوْتَ المَوْعُودَ بَعِيد
مَوْتٌ فِي حَجْمِ الدَّهْر


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* اسم يطلق على أنصار مصارعة الثيران في إسبانيا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

§§§§

الفصل الأول : اسم آخر لفيرونيكا

1

تقدَّمَ الرّئيسُ المُفوَّضَان

تَتبَعُهُم مَوَاكِبُ المُلُوكِ الأُمَـرَاءِ الرُّؤَسَـاءِ
السَّحَرَه
وَكُلُّ ذِي شَأْنٍ وَبَاعٍ فِي الكَهَانَه.
صَــاحَ الرَّئِيسُ قال:
هَيَّا انفُخُوا في النَّارِ، في النَّفِير
لِتَفْتحُوا البَابَ لَهُ، لِتُدْخِلُوهُ الحَلَبَه
طالَ انْتِظَارُنَا
وَجَفَّتِ الشِّفَاه
وضَجِرَ الضُّيوفُ والصِّحاب
لِتُفسِحُوا الطَّريقَ لِلجِيادِ،
أَفْسِحُوا الطَّريقَ لِلحِرَابِ
قِفُوا تَحـيَّةً لأوَّلِ المُصَارِعين،
صَفِّقُوا لأَوَّلِ الثِّيرَانْ
حيُّوا مَعًا سَيّدةَ الحَنانِ والسّلامْ
فيِرُونِكَا القدّيسةَ العلِيّة *
دَعُوا سُمُومَها الزكيَّه
تَجْري دَمًا بَيْنَ يَدَيْهِ
لاَ تَأْبهُوا للشَّرَرِ الدَّافقِ من عَينيْه
لاَ تَأْبهُوا لِحجْمِ أَصْغَرَيْه
لاَ تُشْفِقُوا عَلَيْهِ
وَصَفّقُوا لَهُ، أَصِمُّوا أُذُنَيْه ...


2

فِيِرُونيكَا .. فِيِرُونِيكَا
جَاءَتْ في هَذَا اليَومِ الضَّاحِكِ مِنْكَ
تَصُبُّ بَقَايَا غَضَبِ الربِّ عَليْكَ سُمُومًا تَتَحلَّلُ في قَدَميْكَ قُيُودًا تَتَنَزَّلُ في عَينَيْكَ ضَبَابًا تَتَغَلْغَلُ أفيُونًا
في رِئَتَيْكَ
فيرُونيكَا!..
لاَ تَمْسَحُ في هَذَا اليَوْمِ رُعْبًا فِي قَلبِكَ أَوْ أَلَمًا
فِيرُونِيكَا جَاءَتْ وَرِمَاحُ الغُلِّ بِعَينَيْهَا تَستَدرِجُ لِلْخِزْيِ خُطَاك
فَلتُسْرِعْ كَالوَهْم.. تَقَدَّمْ.. تَلَقَّ السَّهْمَ قَبلَ السَّهْم
هَاهُوَ مِنْدِيلُ القِدّيسَةِ يُغْرِيكَ
فَاحْلُمْ كَمَا شِئْتَ.. تَطَعَّمْ حُلْمَ الحُلْمِ،
تَقدَّمْ.. يَا عَلَمًا لاَ يَتَعلَّم
يَا صَرْحًا نَخِرًا.. وَقَضَاءٌ أَلاَّ يَتَهَدَّمْ،
تَقَدَّمْ حَيْثُ تُرِيدُ.. مَعَ التيّارِ وضِدَّ التيَّارِ..
فِي وَحَلِ البُرْكَانِ وَفِي قَلْبِ الإِعْصَارْ
مَا أَنْتَ بِإبْرَاهيمَ وَلاَ يَا أَنْتَ المَسِيحُ
وَلاَ أَنْزَلَكَ الربُّ لِنُصْرَةِ عُشْتَار
لاَ سَلاَمٌ عَلَيْك وَلاَ بَرْد
لاَ جَلْجَلَةٌ يَا ثَوْرُ وَلاَ مِقَصَلَةٌ.. أو مَحْرَقَةٌ أَوْ صَليبٌ يُنْهِي هَولَ عَذَابِكَ أَوْ يُنْهِيكَ.. وَلاَ
حَتَّي القِدِّيسَةُ فِيرُونِيكَا


3

فِيرُونِكَا.. فِيرُونِكَا
الزَّهرَةُ الشّذِيّةُ القدّيسَةُ البَهِيّة
مَسَخَهَا قَتَلَةُ المَسيحِ هِيرُودِيَّة
هِيرُودِيّة **
تِلْكَ التِي لَعَنَها الرّبُّ إلَى يَوْمِ الحِسَاب
تِلْكَ التِي قَدْ أُغْلِقَتْ في وَجْهِهَا الأَبْوَاب
تِلْكَ التي نَبَذَها التَّارِيخُ والأَغْرَابُ والأَصحَاب
فِيرُونِكَا.. فِيرُونِكَا
اللّفتَةُالعليّة
اللّمْسَةُ الزكيّة
قد مُسِخْتْ في القُدْسِ هِيرُوديّة
وَفي ثِيابِهَا الجَدِيدة
صَارَ لَهَا أَحبَاب
مِنْ رَاجِلٍ لِرَامِحٍ لِتَارِسٍ لِحَابِلٍ لِنابِلٍ لِفَارِس
حَفَدَةِ الرُّومَانِ واليُونَانِ والنُّورمَان وَالفَانْدَال
فيرونِكَا صَارَ لَهَا أَخْدَان
مِنْ قَيْصَرِ الرُّومِ لهُنْري وابنِه ريشارَ قلبِ الأسدِ والمَلِكِ جرْجِيرَ إلَى يُولِيَان
ابنَةُ عَمِّـكَ العَجَوزُ سيّدي عاوَدَها الشَبَاب
وتَحْتَ حَدِّ السَّيْفِ والزَّيفِ إذَنْ
دانَتْ لهَا الرِّقَاب
وبَيْنَ حَدِّ السَّيفِ وَالزَّيفِ انْتشَتْ
وَسَالَ مِثْلَ كَلبَةٍ مَسْعُورَةٍ لُعَابُها
ابنَةُ عَمِّكَ التي عَادَ لَهَا شبَابُها
تَحَقَّقَتْ رِغَابُها

∆ ∆ ∆

لاَنَ إِذَنْ لِهَذِهِ المَلْعُونَةِ الزَّمَان
فَضَرَبَتْ خِيَامَهَا في مُدُنِ الأَنفَاق
وخَطَّطَتْ أحْلاَمَهَا
وَخَرَجَتْ بَعْد قُرُونٍ خَرَجَتْ مِنْ قَبْرِهَا بَعْدَ قُرُون
وَهَاهِيَ المَلعُونَةُ الأحفَادِ قَد تَألَّقتْ
ومِثلَمَا تَعَوَّدتْ تَزَوَّجَتْ مِنْ سيّدٍ مِنْ نُبَلاَءِ العَصرْ
عَيْنٍ مِنَ الأَعْيَان
مُغَامِرٍ لَهُ بِكُلّ بُقْعَةٍ في الأَرْضِ قَصْرٌ وَلَهُ بِكُلِّ شِبْرٍ مِنْ شِعَابِ البَحْرِ قَصْرٌ ولَهُ في الجَوِّ أَلْفُ أَلفُ نَسْرٍ وأَلْفُ أَلْفُ صَقْر
مُقامِرٍ جَابَ فِجَاجَ الأرْضِ والفَضَاء
جَاءَ مِنَ الشَّمَالِ مِنْ مَوَاطِنِ الجِبَالِ والأَهْوَال
أمامَهُ دُخَان
وَخَلْفَهُ دُخَان
وَبَعْضُ بَعْضِ يَدِهِ بُركَان
وَبَعْضُ قَلْبِهِ بُركَان
وَحُلْمُه بُركَان
جَاءَ مِنَ الشَّمَالِ مِنْ مَضَارِبِ الأَمْطَارِ والثُّلوج
في قَلبِهِ قِلاَعُ نِيرُونَ وفي جَبِينِهِ مِرْآةُ نَرْسِيسَ وَفِي خَطْوَاتِهِ سُفُنُ أُودِيسَ وَلِلْمَجْهُولِ فِي عُيُونِهِ
مَنَازِلٌ وَأَبْرَاج
لَهُ بِكُلِّ أَرْضٍ مَوْطِئٌ وَكُلِّ سَهلٍ وَجَبَلْ
قِنَاعُهُ أَغْرَبُ مِنْ حِصَانِ طَرْوَادَة
وَسَيفُهُ أَطْوَلُ مِنْ تَارِيخِهِ

∆ ∆ ∆

نعَم، هِيرُودية
تِلَكَ التِي قَدْ قُلْتَ مَاتَتْ وَانْتَهَتْ، عَاوَدَهَا الشَّبَاب
انبَعَثَتْ في ثَوبِ تلك الزّهْرَةِ الزَّكيّةِ القِدِّيسَةِ البَهِيّة
فِرُونِيكَا
وَهْيَ تَنَامُ اليَوْمَ فِي دِفْءِ أَرَاضِيكَ
علَى مَعَادِنِ المَوتِ
وَمَنَاجِمِ القَنَابِلِ الذَّريّة
نَعَمْ، هِرُوديّة
تَزَوَّجَتْ وأَنْجَبَتْ وَملَكَتْ
وَهَذِهِ أَنْعَامُها طَلِيقَةٌ تَسرَحُ في ِكُلِّ مَرَاعِيكَ
فرونيكا.. نعم، فِرُونِيكَا
غَدَتْ تَجْنِي هُنَا زَرْعًا وتُحْرِقُ هُنَا زَرْعَا
فِرُونيكَا التِي تقَدَّسَتْ، قَدْ بُعِثَتْ في الأرْضِ
أَفْعَى.. حَيَّةً.. تَسْعَى
تُسَمِّمُ التّارِيخَ وَالإنْسَانَ والنوّارَ والهَوَاء
فِرُونِكَا.. تِلْكَ التي تَوَهّجَتْ بِقَلْبِها كَقَطْرَةٍ مِنْ مَاء
تَحَوَّلتْ فِي يَدِ هَؤُلاَءِ
بَحرًا مِنَ الدِّماءْ


4

أَذْعِنْ أوْ لاَ تُذْعِنْ
كُلُّ مَا حَولَكَ أَوْرَام
كُلُّ مَا حَولَكَ أَسْمَاءٌ أُخْرَى لِلحَبْل
كُلُّ مَا حولَك لَيلٌ طَويلٌ مَوتٌ مُزْمِن
كُلُّ مَا حَولَك سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ السَّحَرَة
قَتَلَةِ المَسِيحِ وَالإِنْجِيل
فَارقُصْ علَى صَوتِ النَّفِير
يَا أَغْرَبَ مِنْ شَتْرَبَه
يَا أَغْرَبَ مِنْ سِيزِيفْ
يَا قَلْعَةً تَقَلَّصَتْ في عَتَبَه
لاَ شَيْءَ حَولَك بِهَذَا الزَّمَنِ الخَريفِ
غَيرُ الحلَبَة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فيرونيكا: يطلق هذا الاسم على الحركات التي يقوم بها المصارع بمنديله عند مناوشته للثور وإثارته، تمهيدا لقتله. وفي هذا الاسم إشارة إلى الطريقة التي يذكر التقليد المسيحي أنّ امرأة يهودية تُدعى فيرونيكا مسحت بها وجه السيد المسيح وهم يقودونه إلى الجلجلة.
**هيرودية: حفيدة هيرودس الكبير، تزوّجت من عمّها هيرودس فيلبس ملك اليهود وأنجبت منه سالومة، ولكنّها تركته وتزوّجت من أخيه هيرودس أنتيباس الذي أعدَمَ يوحنّا المعمدان بتدبير منها، وحَاكَمَ السيد المسيح।

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

§§§§

§§§§

§§§§

§§§§

§§§§


20081116

الفصل الثاني : اسم آخر للسهام

الكوريدا أو أَسْـمَـاءٌ أُخْـرَى لِلـمَـوْت وَاسْمٌ لِلحَيَاة ( 4 )
ملحمة الثور الذي ظلَّ واقفا في الحلبة


ــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــ


اسـم آخر للدم


[ الـدَّمُ، فِي هَذِهِ الدَّائِرَةِ الرَّملِـيّةِ، قِطَارٌ تَتَسابَقُ عَرَباتُهُ دُونَما اتِّجَاهٍ، حِبْرٌ وَرَقٌ مَطابِعُ غُــيُومٌ عَوانِسُ لاَ تُمْطِـرُ، لُغَةٌ لاَ تَكادُ تنْطِقُ مِنْ هَولِ الصَّمْتِ، الدَّمُ هُنَا شَجَرٌ بِلاَ ظِلاَلٍ، نَباتٌ طُفَيلِيٌّ يَتَغَذَّى على أجْسَامِنا। الدَّمُ فِي هَذِهِ الأَرْضِ الذَّهَبِيَّةِ مَشاعِلُ نِيرُونَ تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مَصابِيحَ فِي ظُلْمَةٍ صَخْرِيَّةٍ لاَ تَعْرِفُ نَهارًا ولاَ ليْلاً، ظُلمَةٌ مِنْ زَمَنٍ غَيْرِ الزَّمَنِ، بَصيصُ النُّورِ فيها كُفْرٌ، وَتفَتُّحُ وَرْدَةٍ مِنْ عَلاَمَاتِ السَّاعَة। الدَّمُ زَبَدٌ هُنَا، وفَقَاقِيعُ تَتقنَّعُ بِحَركَةِ الأَمْوَاج ]




1


ألاَ تَزَالُ بعدُ في المَيْدان؟
حَملَةُ الحِرَابِ هاهُمْ غادَرُوا
فِي وَهَجِ الهُتافِ وَالتَّصفِيق
وَأنْتَ لاَ تَزَالُ في المَيْدان
وَهَا هُمُو حَملَةُ السَّلاَمِ قادِمُون
وَأنْتَ لاَ تَزَالُ في المَيْدان
فَمَنْ تكُونُ، أيُّها الثَّورُ ؟ ألاَ أنْبأتَنا بِمَنْ تَكُون؟!
تَعبُرُكَ العُصورُ والقُرُون
وأنْتَ أنْتَ وَاقِفٌ كأَنَّما أرْضُكَ غَيْرُ الأرْضِ، لاَ تَدُور
شَمْسُكَ غيرُ الشَّمْسِ دُونَما ضيَاء
لَيلُكَ غيرُ اللَّيلِ دُونَما ظَلاَمٍ، لاَ صَبَاحَ لاَ مَسَاء
البَحْرُ أنتَ أمْ تُرَاك وَحْشَةُ القِفَار
تَتُوهُ في شِعَابِها قَوَافِلُ التُّجَّارِ وأَعْظَمُ الجُيُوش
وأَحْدَثُ المُدَرَّعَاتِ الرَّادَرَاتِ الحَامِلاَتِ الطَّائِرَات
أمْ أنْتَ مَقْبَرَة
أم هُوَّةٌ في هَاوِيَة
تَضِلُّ في سَمَائِها الغُيُومُ والبُرُوقُ والرُّعُود
وتَجمُدُ الأنْهَار
وتَنْطَفي في بَرْدِها حَرَارَةُ الرِّيَاح
وغَضَبُ الإِعْصَار
والمَوْتُ والحَياة!




2


حَمَلَةُ الحِرَابِ غَادَرُوا المَكَان
في وَهَجِ الهُتَافِ والتَّصفِيق
وَهَا هُمُو حَمَلَةُ السَّلاَمِ يَدْخُلُون..
وَأنْتَ لاَ تَزَالُ في المَيْدَانِ.. هَا هُمُو حَمَلَةُ السِّهَام
في وَهَجِ الهُتَافِ وَالتَّصفِيقِ رَاحُوا يَلعَبُونَ لُعْبَةَ التَّكْشيرِ عَنْ أنْيابِهِم
يَستَنْزِفُونَ دَمَكَ المُبَاحَ
يُثْخِنُونَ فَجْرَكَ جِرَاحًا وَعَمَاء
وَهَاهُمُو يُخَطِّطُونَ الجُبَنَاء
مَعْرَكَةَ مُنْتَهِيَة
كَهَذِهِ المَعاركِ الحَمقَاء
فانْزِفْ كَمَا تَشَا لَكَ الأَيَّامُ أنْ تَشَاء
وثُرْ كَمَا تَشَاء
يا ناطِحَ الصَّخَر،
يَا آكِلَ الهَوَاء
اِنْزِفْ إلى أنْ يَنْزِفَ التَّاريخُ حُزنًا وَحَياءْ



يتبع 4 ...


الفصل الثالث : اسم آخر لساعة الحق

الكوريدا أو أَسْـمَـاءٌ أُخْـرَى لِلـمَـوْت وَاسْمٌ لِلحَيَاة ( 5 )
ملحمة الثور الذي ظلَّ واقفا في الحلبة




ــــــــــــــــــــــ


ــــــــــــــــــــــــ




1


دَوَّى النَّفِير
وَرَجَعَ الحَدِيثُ مِنْ جَديد
عَادَ إلَى ساحِرَةِ العَينَيْن
دامِيَةِ اليَدَيْن
فِيرُونِكَا هِرُودية
وقَلْبِها الرَّقيقِ، قَلْبِها الحَديد
دَوَّى النَّفيرُ مِنْ جَديد
دَوَّى النَّفير
وَأَقْبلَ المُصَارِعُ الكبير






اسم آخر للحياة



[ صَدَرَ الحُكْمُ علَيكَ بِالحَياةِ مَدَى الحَيَاةِ وَالمَمَات. لاَ تَطْمَعْ في شَفاعَةٍ مِنْ أَحَدٍ واكْتَنِزْ أشْجَارَكَ، خَبِّئْ أمْطارَكَ وَأنْهارَك. إنَّ لِلسَّاعَةِ يومًا آخَرَ. كُلُّ رَبيعٍ عائِدٌ ولَوْ تَدَثَّرَ بالشَّوكِ وَالأحْساك وكلُّ بذْرَةٍ أوْ ذرَّة.
أيُّها الثَّورُ جِئْنَاكَ مِنْ دَاخِلِ هَذَا السُّور نَرفَعُ أَيْدِينا القَصِيرَةَ أعْلاَمًا، وَأصْوَاتَنَا القَميئَةَ القَمِيئَةَ طُبُولاً وَعَزَائِمَنَا فُرسَانًا وَهَزَائِمَنا خُيُولاَ.
ظَفِرَتْ بِتلكَ القِمَمِ الرِّمالُ المُتَحَرِّكَة। لَمْ يَبْقَ مِنْ بَحْرِكَ سِوَى زَبَدُه، ولاَ مِنْ سَحائِبِكَ السُّودِ إلاَّ لَونُها، ولاَ مِنْ صَوتِك إلاَّ عِظَامُه ]






2


دَوَّى النَّفِير
ورَجَعَ المُصَارِعُ الكَبِير
تَتْبَعُهُ مَغلُولَةَ اليَدَيْنِ والعَينَيْنِ شَمْسُ ساعَةِ الحَقِّ المُبِين
حَيَّا رئِيسَ الحَفْلِ ثُمَّ وَهَبَ الثَّوْرَ لأَحْلاَمِ الجَمَاهِير
وَبَدَأَ العَرْضُ الأَخِير
الثَّوْرُ قدْ أصْبَحَ في ثَوْبٍ منَ الدِّمَاءْ
في ظُلُمَاتٍ فَوقَ بَحْرِ ظُلمَاتٍ تَحْتَ بَحْرِ ظُلمَات
يَدْفَعُهُ لأَلَق الحَيَاةِ بَعْضُ أَمَلٍ خَرِيفْ
وثَوْرَةٌ في النَّفْسِ لاَ تَكُونُ إلاَّ عَابِرَة
وحَسْرَةٌ وخَوْفوغَيْرَةٌ على السُّلاَلَةِ الكَرِيمَة




3


ابتَدأَ العَرْضُ الأَخِير
وَدَخَلَ المُصَارِعُ الكَبِيرُ في حُلَّتِهِ المُطَرَّزَة
فاهتَزَّتِ المَدارِجُ المهتَزَّةُ الحمْقاءُ واشْرَأبَّتِ الأَعنَاقُ، وَقفَتْ تَجِلَّةً لِلمَشْهَدِ المُثِير
وَفي مكَانٍ مَا مِنَ الحَلَبَةِ الجَرْدَاءِ لاَحَتْ نُقْطَةٌ سَوْدَاء
الثَّوْرُ
لاَ يَزَالُ وَاقِفًا
الثَّوْرُ لاَ يَزَالُ نَازِفًا يُرَاوِحُ مَكَانَهُ
يُصَارِعُ كَجُثَّةٍ تَعَفَّنَتْ
مُصارِعًا يُصارِعُ النُّجُومَ والكَواكِبْ
وَجُثَثًا تَعَفَّنَتْ
بِخبْرَةِ القُرُونِ كُلِّها وَهِمَّةِ الرِّياح





∆ ∆ ∆



ابتَدَأَ العَرْضُ الأخِير
وَهَاهُوَ المُصَارِعُ الكَبِير
كَأنَّهُ يُصَارِع
وَفي يَدَيْهِ فيرُنيكا خِرْقَةً حَمْرَاء
بَحْرًا مِنَ الدِّمَاء



∆ ∆ ∆



اللَّحْظَةُ الحاسِمَةُ العَظيمَة
اللَّحْظَةُ الكَريمَة
آنَ لَها الأوَانُ أوْ يَكَاد
فاركُضْ كَما تَشَاءُ هِيرُوديا أنْ تَشَاء
وَلْيَنْغَرِسْ قَرنَاكَ في هَذِي الرِّمالِ الخَاوِيَة
ولتَنْغَرِسْ رَقْبَتُكَ المَغْرُوسَةُ في الهَاوِيَة
في الهَاوِيَة
السَّيْفُ كَالبَرْقِ أَضَاءْ
في لَيلَةٍ كَهَذِهِ ظَلْمَاء
يُمَزِّقُ الغُبَارَ يَخنُقُ الهَوَاء
في لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ عَارِيَة



∆ ∆ ∆




ابْتَدأَ العَرْضُ الأخِير
وَهَجَمَ المُصَارِعُ الخَبِير
في صَخَبِ الجُمْهُورِ في صَحْرَائِكَ الصَّحْرَاء
لَكِنّ سَيفَهُ يَظَلُّ في الهَوَاءِ هَكَذا مُعلَّقَا
واللَّحْظَةُ الحَمْرَاءُ دُونِ شَفَقَة
اللَّحْظَةُ الحَمْرَاءُ تَبقَى لُعْبَةً في حَدِّهِ مُعَلَّقَة
الدَّمُ مَاءٌ نَازِفٌ وَأنْتَ أَنْتَ وَاقِفٌ
هَذَا حِذَاؤُكَ بَدَا مُستَنْقَعا وَبَعْضُهُ أرْضًا تَشَقَّقَتْ وبَعْضُهُ جَبِين
وَأنْتَ أَنْتَ وَاقِفٌ في صَمْت
كَأَنَّمَا لاَ تَستَحِقُّ المَوْتَ॥ حَتَّى المَوْت!




4


اتَّخَذَ الزَّمَانُ اسمًا آخَر
فَهَذِهِ سَاعَتُهُ التي انْتَظَرنَا ساعَةٌ هَجِينَة
طَالَتْ إلى أَنْ صَدِئَتْ في الحَلَبَة
والثَّوْرُ لاَ يَزَالُ وَاقِفًا
قَرنَانِ مَغْرُوسَانِ في الرِّمَال
وَجُثَّةٌ تَلتَحِفُ السِّهَامَ والجِرَاح
كَأَنَّ في نَزِيفِهِ حَياتَهُ وَفي الإِبَـاء
مِنْ أَيْنَ هَذِهِ الدِّمَاءُ كُلُّها، مِنْ أَيْنَ كُلُّ هَذِهِ الدِّمَاء!؟
لَوْ أَنَّ آبَارَ السَّماءِ نَزَفَتْ هَذَا النَّزِيفَ كُلَّهُ
لاَنْهَارَتِ السَّمَاء

اسمٌ آخرُ لليأس
[ لَمْ تَرَ الشَّمْسُ حُزنًا كَهَذَا وَلاَ صَبْرًا. جَحَافِلُ اليَأسِ الظَّافِرَةُ أَلقَتْ رُقِيَّها وَتَمَائِمَها، ضَرَبَتْ خَيلَهَا خِيَامًا وأَعْلَنَتْ يَأسَها.
يَا أيُّها اليَأسُ الذِي خَابَتْ تَعَاوِيذُهُ وَطَلاَسِمُهُ، هَلْ مِنْ نَبَإٍ عَنْ يَأسِ اليَأس. لقَدْ مَاتَتِ السُّبُلُ وَبَاتَتِ الخُطُوَاتُ كَمَائِن ]


يتبع ....




المخطّط السري أو اسم آخر للحياة

الكوريدا أو أَسْـمَـاءٌ أُخْـرَى لِلـمَـوْت وَاسْمٌ لِلحَيَاة ( 7 )
ملحمة الثور الذي ظلَّ واقفا في الحلبة

ـــــــــــــــــ
ــــــــــــــــ



يَا أنْتَ يَا أنَا
يَكْتَمِلُ الظّلامُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْم،
يَكْتَمِلُ الضَّبابُ والظَّمَـأ
وَيَخْتَفِي السَّرابُ وَتَرْحَـلُ السَّماء


1


أيتُها القَمْحَةُ،
تَخْرُجِينَ مِنْ غَياهِبِ السُّكُونِ وَرَحَى العَدَمْ!
تُعَانِقِينَ رِحْلَةَ الضّيَا، تُعَاقِرينَ رِحلَةَ الفَنَاءِ فِي البَـقَاءِ
تُخَطّطينَ بدَمِ الصَّمْتِ وضَوءِ العَتَمَة
للموْتِ والحَياة
يَا رِحْلَةَ الأَلَمْ
يا ِلُغَةَ اللّغَات، أيتُها البَذْرْةُ يا أعجَبَ هَذِي الكَائِناتِ،
كيفَ أكُون!

كيفَ تُخَطِّطِينَ في كلِّ الفصُولِ والجبالِ والقيعان
كيفَ تُخَطِّطِينَ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَان
في الضَّوءِ أو في العَتَمَة
لكَيْ تَكُونِي دائِمًا بِهَذِي العَظَمَة؟


2



لاَ وَطَنٌ ولاَ مَنْفَى
تَحَطَّمْ علَى الصَّخْرِ،
إرتَدَّ إلَى الأعْمَاق
لاَ حَضَرٌ لاَ بَادِيَهْ
لاَ وَطَنٌ ولاَ مَنْفَى
عَدَا صَمْتُ الرِّياحِ فِي هُدُوءِ العَاصِفَة
كُلُّ الحُدُودِ انفَجَرَتْ فِي وَجْهِنا وَارتَفَعَتْ كُلُّ السُّدُود
لاَ وَطَنٌ ولاَ مَنْفَى،
عَدَا بَعْضُ قُطُوفٍ دَانِيَه
نَاءَتْ بِهَا أَغْنَى صَحَارِي اليَأسِ
أوْ بَعْضِ شُعاعٍ فِي بَذْرَةٍ تَحْمِلُهَا فِي لَيلَةٍ عَاتِيةٍ،
رِيَاحٌ تَمُرُّ عَاتِيَه


3


يَا أنْتَ يَا أنَا
يَكْتَمِلُ القَبْرُ هُنَا، ثَانِيَةً ثَانِيَةً، مُذْ أينَعَتْ وَردَتُكَ الأولَى
وأنتَ واقفٌ علَىِ رَابِيَةٍ هَاوِيَة
لاَ وَطَنٌ ولاَ مَنْفَى
أنَا الأَغْنَى عَدِيدُهُ، أنَا المُتْخَمُ بِالأَعْلَى، وَلاَ قُوَّةَ ولاَ حَوْلَ،
أنَا المُدَجَّجُ المُلَغَّمُ بِاللُّغَةِ الإِلَهِيَّةِ الأَبْهَى،
أنَا الأَقْرَبُ إلَى أَبْعَدِ سَمَاءٍ وَأَقْرَبِ سَمَاءٍ، أنَا القَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أَدنَى،
أنَا المُخْتَارُ، أنَا المُخْتَالُ، أنَا المُغْتَالُ، أنَا المَكَيدَةُ الأدْهَى
لاَ وَطَنٌ وَلاَ مَنْفَى
لاَ سَمَاءَ تُظِلُّكَ، لاَ أَرْضَ سِوَى مُخَطَّطِ بَذْرَةٍ مِنْ عُشْبَةٍ أوْ شَجَرَة
اللَّيْلُ فِيهِ بَيْنَ بَيْن
والصُّبْحُ فِيهِ بَيْنَ بَيْنَ

[ فَلْـنُـسيَّـجْ سِرَّنا بالكَلِماتِ، لِنَلتَحِفْ قِشْرَةَ بَذْرَةٍ ونَنَم في مُخَططِ نُطفَةٍ قادمةٍ من رَحِمِ الأَرضِ أو غَسَقِ الفَضاء.
اللَّيلُ بَيْنَ بَيْن، والصُّبْحُ بَيْنَ بَيْنَ، وهَذا الزَّمَنُ العَارِي يَحْمِلُ رِدَاءَ زَمَنَيْن.
يَا أنْتَ يَا أنَا مَتَى نتطهّرُ دَمًا فَلاَ يَذْهَبُ دَمُنَا هَبَاءْ ]




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ انتهى نص قصيدة الكوريدا أو أسماء أخرى للموت واسم للحياة



المدارج الحلبة

الكوريدا أو أَسْـمَـاءٌ أُخْـرَى لِلـمَـوْت وَاسْمٌ لِلحَيَاة ( 6 )
ملحمة الثور الذي ظلَّ واقفا في الحلبة

ــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــ


في نَشْوَةِ الضَّوْضَاء
في سَكَرَاتِ المَوْتِ واللاَّمَوْتِ والفَوْضَى
ارَتَفَعَ الهُتَاف
اِختَلَطَ العَوِيلُ وَالغِنَاء
في اللُّجَّةِ الحَمْرَاءِ كُنْتُ وَعلَى الضفَاف
في قِمَّةِ الخِصْبِ وَفي هَولِ الجَفَاف
في دَرَكِ اللّيلِ وَفي حُمَّى الضِّياء
كُنْتُ أُصَفِّقُ مَعَ المُصَفِّقِينَ، لَمْ يَكُنْ يَفْصِلُنِي عنْ سيّدِ المُقاتِلينَ عِنْدَها سِوَى ما يَفْصِلُ الحَبلَ عَنِ الوَريدِ، لمْ يَكُنْ يفصِلُني عنْهُ سِوى ما يَفْصِلُ الماءَ عَنِ الغَيْمَةِ
وَالجَليدِ
لمْ يَكُنْ يَفْصِلُني عنه سوَى ما يَفْصِلُ الرُّوحَ عن الجسدْ
كُنَّا هُنَاكَ اثنَيْنِ، كُنَّا وَاحِدًا.. كُنَّا مَلاَيينَ وَكُنَّا لاَ أَحَدْ
كُنْتُ أُصفِّقُ مَعَ المُصَفِّقِينَ
كُنْتُ أُلوِّحُ لَهُ كَالآخَرِينَ
كُنْتُ أُلوِّحُ.. يَدٌ لِلثَّوْرِ والأُخْرَى إلَى المُصَارِعِ المَسكُونِِ بالسُّمِّ الزُّعَاف
فَهَذِهِ يدٌ تُضَمِّدُ جِرَاحَه
وَهَذِهِ تَجْرَحُهُ
وهَذِه تلُمُّ شَعْثَ ما تَرَكَهُ المُصَارِعُونَ مِنْ جِمَاحِه
وَهذِهِ تَغْرِسُ في عُنُقِهِ بَقِيَّةً من سَهْم..
كَمْ يا إلهِيَ لَدَيَّ مِنْ يَدٍ !


∆ ∆ ∆


في نَشْوَةِ الضَّوْضَاءْ
في سَكَرَاتِ المَوْتِ وَاللاَّمَوتِ وَالفَوْضَى
سَأَلَنِي أَحَدُهُمْ مُبتَسِمًا وَكُنْتُ مُثْخَنًا جِرَاحَا
مَاذَا دَهَاكَ ؟ صَاحَ
وَكُنْتُ مُثْخَنًا جِرَاحَا
الكِبْرُ يَنْزِفُ أَسًى مِنْ جَسَدِي
مِنْ ظُلُمَاتِ الرُّوحِ مِنْ أَحْزَانِي
مِنْ ظُلِمَاتٍ فَوقَ مَوْجِ ظُلمَاتٍ تَحْتَ بَحْرِ ظُلمَاتٍ
لاَ أَرَى فِيهَا يَدِي لَوْ أنَّهَا تَطْعَنُنِي
لَكِنَّنِي كُنْتُ أَرَانِي في الخِضَمِّ وَعلَى الضِّفَاف
كُنْتُ أَرَانِي وأُعَانِي
كُنْتُ أُرَاوِحُ مَكَانِي
في غَابَةٍ قد سُيِّجَتْ بِأقْدَمِ الآلامِ
سَألْتُهُ فِي لَوْعَةِ المُلْتَِاع : مَنْ تُرَاك
يَا أَنْتَ يَا أَنَا!
مَسَكتُهُ بِكُلِّ مَا لَدَيَّ مِنْ أَوْجَاع
حَسِبتُه ليسَ سِوَى قِنَاع
مَسَكتُهُ أُرِيدُ خَلعَهُ فَصَاحَ
وكانَ مُثْخَنًا جِراحَا

يَا أَنْتَ يَا أَنَا
مِنْ أَيْنَ هَذِهِ الدِّمَاءُ كُلُّها، مِنْ أَيْنَ كُلُّ هَذِهِ الدِّمَاء!؟
كَيْفَ ظَلَلتَ وَاقِفًا بِحَقِّ هَذِهِ الأَرْضِ
وَهَذِهِ السَّمَاء !


يتبع 6 ....